ليس خفياً على أحد أن التجارة الالكترونية باتت جزءاً لا يتجزأ من مشهد الأعمال والتجارة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. فاستناداً الى دراسة لـ"باي بال"عام 2013، يتسوّق ثلاثون مليون شخص على الانترنت في الشرق الأوسط حالياً، ويتوقع أن ينمو معدل الدفع الالكتروني من 11.2 مليار دولار عام 2011 الى 15 مليار دولار عام 2015. والمثير للاهتمام هو أن معظم المتسوّقين لا ينفقون المال على شركات من المنطقة العربية لا بل من الولايات المتحدة وآسيا وأوروبا. ولا تستحوذ الشركات العربية الا على 10% من نسبة مجمل النفقات.
ويعزى لجوء المتسوّقين للمواقع الأجنبية الى نقص في العرض، في حين تشهد المنطقة تزايداً في مواقع التجارة الالكتروني لتلبية هذه الحاجة. وعلى الرغم من نمو هذا القطاع، ما زال يعاني من مشاكل عدة في ما يتعلّق ببوابات الدفع. وفي هذا الصدد، شهدت المنطقة العربية، طفرة في بوابات الدفع الالكتروني على غرار "باي فورت" Payfort و"تيلر" Telr و"هابير باي" Hyperpay و"إنوفايت بايمينتس" Innovate payments و"نتورك إنترناشيونيل" Network International على سبيل الذكر لا الحصر.
وفي محاولة لفهم وضع بوابات الدفع هذه والتحديات التي تواجهها وركائز انشائها، تحدثنا مع مهنّد إبويني، الرئيس التنفيذي لـ "هابير باي"، خدمة جديدة لبوابات الدفع على الانترنت أطلقت بداية العام الجاري، والياس غانم، الرئيس التنفيذي والمؤسس الشريك لـ "تلير" شركة حلول الدفع الالكتروني التي ستُطلق في الفصل الثالث من 2014. كما ان غانم يتمتع بتاريخ هام في هذا المجال، اذ شغل منصب مدير عام لـ"باي بال" في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وقبل الغوص في تحديات وركائز بوابات الدفع، لا بد بداية من التعريف عنها. ويشرح لنا غانم أنه عندما تقوم بعملية شراء على موقع إلكتروني وتنقر على "ادفع الآن"، يتمّ تحويلك الى بوابة دفع. "تبدأ بوابات الدفع بادارة الاحتيال من خلال تدقيقات عدة لتتأكد من أنك مستهلك قانوني ثم تحوّل معاملتك الى وسيلة الدفع التي اخترتها لتحصل بعدها على موافقة اتمام عملية الشراء،" بحسب غانم. بناء على ذلك تشكّل بوابة الدفع رابطاً بين التاجر على الانترنت والمصارف ووسائل الدفع المختلفة على غرار بطاقة "فيزا" أو "ماستر كارد".
طريق محفوفة بالتحديات
تسعى بوابات الدفع الالكتروني العربية لشقّ طريقها في عالم التجارة الالكترونية الصاعد. الا أنّها تواجه تحديات عدّة تعوق مسيرتها ولا بدّ لأي رائد أعمال يريد اطلاق بوابة للدفع الالكتروني أن يأخذها بعين الاعتبار.
غياب القوانين والتشريعات في المنطقة العربية. يقول إبويني "نعمل ويدنا على قلبنا لأن أحداً لا يملك إجازة للدفع الالكتروني." وشركات حلول الدفع الالكتروني تعمل على أساس أنها "شريك تقني للمصارف". ويشرح انه "بفضل التشريعات، أستطيع التوجّه مباشرة الى شركة فيزا أو ماستر كارد من دون المرور بالمصارف، مما يوفّر الكثير من المال والوقت." ويذكر أنه على سبيل المثال شركة "باي بال" التي تتعامل مباشرة مع وسائل الدفع بسبب وجود القوانين في الولايات المتحدة.
حجم السوق. يعتبر ابويني أن السوق ليست كبيرة بما يكفي بعد لجني الأموال ووحده الوقت كفيل بايجاد الحلّ. "يتطلب منحى التعلم والخبرة لدى التجار والمستخدمين الوقت ولا يسعنا الا الانتظار. ولا شك أن السوق تنمو بشكل أبطئ مما توقّعنا. فهي دورة متكاملة يتشارك فيها التاجر والمصرف والمستخدم وبوابة الدفع."
العلاقة مع المصرف. ان بناء علاقات متينة نع المصارف يتطلّب الكثير من الوقت. وبالنسبة لغانم، هي أساسية لاسيما ايجاد المصارف "المنفتحة والمستعدّة للمخاطرة."
الدفع عند التسليم. وفقاً لدراسة باي بال، تشكل التجارة الالكترونية داخل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 10% فقط من حجم التعاملات. ويعتبر غانم أن الشركة التي تروّج لخدمة الدفع عند التسليم، مهما كان حجمها، تؤذي نفسها والصناعة وتقايض الربحية على المدى الطويل بالعائدات على المدى القصير. في حين اعتبر إبويني أن الدفع عند التسليم هي "خدمة رفاهية" في المنطقة لاسيما أن المتسوّق ذاته يدفع ببطاقته الائتمانية على المواقع الأجنبية. واعتبر كل من غانم وإبويني أن الحلّ يكمن بتغيير التجار مواقفهم: إبويني دعاهم الى الترويج لخدمات الدفع الالكترونية من خلال تقديم خدمة زبائن ممتازة وخدمة إعادة المال المناسبة. أما غانم، فيعتبر أن حلولاً كثيرة متوفرة وتريد أن توفّرها "تيلر" على غرار خدمات الدفع المحلية (البطاقات المحلية) وخدمة الدفع نقداً قبل التسليم أو عبر المصرف مباشرة.
ركائز بوابة الدفع الالكترونية
على الرغم من التحديات، تحاول بوابات الدفع الموجودة التأقلم وايجاد الحلول. وفي ما يلي، أهم الركائز لاطلاق مشروع ناجح:
1. حلول محلية. لا شك أن تقديم حلول محلية هي أهم ركيزة لبوابات الدفع. ويعتبر إبويني أنه من المهم التعامل مع مصارف في كل بلد وبالعملات المحلية. وتتعامل "هايبر باي" بالعملات المحلية كالدينار الأدرني والريال السعودي والليرة اللبنانية والدرهم الاماراتي في حين أنها تأمل، في نهاية العام الجاري، تغطية باقي المنطقة لاسيما الكويت وقطر ومصر والبحرين.
في حين يعتبر غانم أن واجهة البرمجة السهلة التي تقدّمها "تيلر" تساعد على اجراء التعاملات باللغة والعملة المحلية. ويشرح لنا قائلاً : "من المهمّ، متى تكون مستخدماً مصرياً يقوم بعملية شراء على موقع باللغة العربية أن تكون صفحة الدفع باللغة العربية أيضاً لا الانجليزية. وهذا ما نعني بشعارنا: تيلر، لغتك وعملتك."
2. تطلعات إقليمية أو عالمية. يؤكد إبويني أنه من الضروري التفكير بطرق مبتكرة لجذب الزبائن الدوليين لا المحليين فحسب. "يلجأ كل الزبائن الدوليين في العالم العربي الى بوابات دفع دولية من خارج المنطقة لا تتعامل بالعملات المحلية." ويشدد على أن بوابات الدفع المحلية تساعدهم على تقليص الخسائر بسبب تحويل العملة ومعدلات القبول.
أما غانم فيعتبر أن عمليات "تيلر" التي تجري بين سنغافورة ودبي تجعلها عالمية وتتيح لها الفرصة بالنفاذ الى سوق التجارة الالكترونية المناسبة والمستثمرين في عدد من الدول. ويضيف "إذا كنت شركة محلية فحسب، فسيصعب عليك استدامة نموّك."
3. التكنولوجيا. يشكّل استخدام أحدث التكنولوجيا ركيزة أساسية لأي بوابة دفع. ويقول غانم إنه من الضروري اللجوء الى التكنولوجيا المناسبة للعمل إما من خلال امتلاك تكنولوجيا خاصة أو تخصيص خدمة ابتكرها آخرون. في حين تريد "هايبر باي" أن تقدّم حلاً شاملاً لزبائنها من خلال تكنولوجيا متميّزة وتدمج إلكترونياً كل الخدمات التي يحتاج اليها الزبون من أجل تجربة مستخدم مناسبة ونظام إدارة الاحتيال رفيع المستوى.
4. المواهب. لا شكّ أن ايجاد المواهب المحلية المناسبة للانضمام الى فريق عملك وإدارة شركتك وتطوير الحلول المناسبة هو العامل الذي سيجعلك تنمو وتتميّز، بحسب غانم. ولا بدّ أن تشمل هذه المواهب العاملين في مجال التكنولوجيا المعلومات والمبيعات والتسويق.
5. التمويل. من المهم أن تحصل على تمويل جيّد منذ بداية المشوار لأن انشاء بوابة دفع مشروع مكلف جداً. ويشرح غانم أن بوابات الدفع تعتبر من الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي تشق طريقها. وبالتالي، تحتاج الى الأموال لادارة أعمالها وعدم التعثّر.
6. التميّز. بات انشاء بوابة للدفع في المنطقة العربية أشبه بنزعة ترافق نموّ التجارة الالكترونية. ولا بدّ من اللاعبين الجدد أن يقدّموا حلولاً استثنائية وأن يتميّزوا عن بعضهم البعض من أجل الاستدامة والنمو. وعلى سبيل المثال، لجأت تيلر الى شراكة استراتيجية مع شركة "أرامكس"Aramex من أجل دمج خدمة الدفع والخدمات اللوجيستية لئلا يضطرّ الزبون الى انفاق الكثير من المال (لاسيما أن موارده محدودة) والتوجّه الى شركة لحلول الدفع وأخرى للحلول اللوجيستية. بالاضافة الى ذلك، تريد "تيلر" أن تعالج مشكلة السيولة فتوفّر قروضاً مالية للشركات التي تملك تاريخاً من التبادلات عبر خدمة "تيلر" والتي تظهر حجم مبيعات جيّد.
يبقى أن بوابات الدفع ليست الا "مجرد محفزّ"، بحسب غانم، للتجارة الالكترونية التي تعد بأن تكون مزدهرة بفضل المبادرات الحكومية المستقبلية ونمو البطاقات المصرفية وتحسين الخدمات اللوجيستية. ويعتبر إبويني أن العام المقبل سيكون "مفصليّاً" لخدمات الدفع على الانترنت والتجارة الالكترونية.
ولا بدّ أن لا ينسى رواد الأعمال الطامحين بالغوص في مجال بوابات الدفع أن التسعير المناسب وباقة الخدمات الملائمة واستهداف الزبائن الدقيق ، كلها عوامل النجاح بالنسبة لغانم، و"ثمة مكان للجميع ليكون راضياً" بحسب إبويني.
---
باميلا كسرواني صحافية عمِلت طوال 7 سنوات في القسم العربي في قناة فرانس 24 الفرنسية. انتقلت مؤخراً الى المنطقة حيث تعمل كصحافية ومترجمة مستقلة لعدد من البوابات الإعلامية الالكترونية.